الفصل السادس عشر:
لم يستطع تجاهل رسالة الخادمة، ولا تجاهل ذلك الشعور الذي انتابه بالقلق عليها. مهما أنكر هي تؤثر به. لم يتحمل فظاظة مخلوق غيرها، وبكل الأحوال باتت هي مسؤوليته اسمها يلي اسمه.
لقد فرض الخادمة عليها فرضًا بعد شجار معها على وجودها دام لأيام . هي تعلم أنها تنقل له كل تحركاتها لذا كانت دومًا تحرص أن تبدو طبيعية أمامها حتى لو كانت غير ذلك لكن فكرة انهيارها هكذا أمامها هذا ما يرعبه عليها حقًا.
خائف هو عليها، ومنها طيلة الوقت. الأربعة أشهر السابقة لم يلتقوا يومًا إلا بخلاف جديد، وبكل مرة يظهر بوجهها تصرخ به طالبة للطلاق .
بالبداية كان الأمر عنده عاديًا جدًا، هي زيجة مصلحة ستنتهي بأي وقت لكن قربة من طفلها، وارتباطه به هو ما لم يكن يعمل حسابًا له. بات كل موقف محسوبًا لديه حتى لا يؤذي الطفل الذي يعي تمامًا أنه فاقد لحنان الأب.
لم يتردد في اقتحام مساحتها الآمنة كما تعتقد، ولم يكترث لنظرات أم رضوان وزوجها الفضولية الذين يجلسون كعادتهم يثرثرون بالأسفل.
علي كل حال الكل يعلم من هو ، ومن هي له؟! فتحت له الخادِمة التي أشارت له على الغرفة، ليَّدلف مباشرةً تجاهها.
وصلة صوت بكائها المكتوم كما تلك المرة بالمشفى، و لا يعلم لما آلمة قلبه؛ ليعترف أنها باتت تؤثر به كل شيء يخصها يثير فضوله. قلبة يشعر وكأنه سينفجر خوفًا عليها.
ظل لدقيقة مترددًا حتى حسم أمره حينما حل الصمت المكان. أشار للخادمة أن تبقى بجوار عز ففعلت بهدوء. أخذ نفسًا عميقًا، ودلف للغرفة التي تفاجئ بأنها غارقة بالظلام إلا من ضوء القمر المتعامد علي فراشها . اتسعت عيناه ما أن وقعت عينيه عليها، وهي منكمشه على نفسها كطفلةٍ. اقترب منها كالمسحور يدفعه فضوله؛ ليرى لوحته الفنية المخفية تمامًا أسفل شعرها المسترسل بتموجات مصطنعه بلونة العسلي الذي يلمع مع ضوء القمر الناصع. رفعت رأسها ونظرت له قبل أن تنادية بما صدمة..
_ بابا هل عدت ؟
جلس بالقرب منها حينما لمح صوت شهقاتها المكتومة. يديه امتدت؛ لتزيح شعرها هامسًا بحنو :
_ ربى ما بكِ؟
ناداها مره بعد مره حتى تغلغل الصوت لأعماقها؛ لتعلم أنه ليس والدها، ففتحت عيناها ببطيء، وتعب قبل أن تتسع بذعر ما أن اعتدلت بخوف ووجدته أمامها:
_ انت!
صرخت بفزع، وعادت للخلف لا تصدق أنه تجرأ وأتى لهنا اقتحم عزلتها، ودلف للغرفة قبل أن يقترب منها جاذبًا إياها بقوة؛ لتستقر بين ذراعيه :
_ اششش اهدأي أنا بيجاد..
_ كيف كيف دخلت لهنا؟
_ سأخبرك فقط اهدأي ولا تبكي.
نظرت له بصدمه عيناها مازالت تذرف الدموع، وتحاول أن تنتزع نفسها منه لكنها لم تفلح إذ حاوطها بقوة هامسًا بحنو بأذنها لم تستطع مقاومته:
_ ابكي يا ربى، وأخبريني ما بك لما تبكين هكذا؟
لم يكن يومًا فظًا معها لكنه لا يستلذ أفعال النساء لكن معها كان مختلفا بكل شيء. منذ التقاها نسى نفسه معها كيف كان؟ وما أصبح عليه؟
يديه التي أحكمت وثاقها، وذاك الدفء اللعين أنساها من هو وأين هو وهي؟ لتخُونها دموعها بين ذراعيه. دفنت رأسها بصدره، وانهارت كليًا، تلك المرة كانت أقوي من ذي قبل؛ ليسقط الكبرياء اللعين الذي يتشبث به كليهما و يحتويها بين ذراعية؛ ليقضيا طيلة الليل معًا يتحدثان كصديقين أو هكذا أعطوا مسمي لعلاقتهم التي بدأت معًا للتو .
بحياتة لم يتوقع أن يصل به الأمر لهنا. لم تهدأ وتغفو إلا حينما وعدها بإطلاق سراحها بعد أن يطمئن عليها. ويزول الخطر عنها كليًا. لم تشأ أن تخبره أن رامي أخبرها شيئًا، وهو لم يخبرها بعد.
صدقًا ارتاحت حينما انتهت الخلافات بينهم، واتخذت علاقتهم منحنًا آخر.
قُبيل الفجر هتفت بينما تتناول شطِيرتها التي اعددتها الخادمة لها وله:
_ شكرًا يا دكتور.
ابتسم، وهو يمد قدمه المصابة على الفراش بينما ارتسمت ملامح التعب على وجهه:
_ على ماذا؟ ثم دكتور من؟
خجلت منه فهتف هو بحسم:
_ أناديك ِ ربى، ناديني بيجاد لا تتفزلكِ.
اتسعت عيناها بصدمة من حديثه، وهتفت بتقزز مصطنع:
_ ما هذه الألفاظ السوقية ياااي؟
_ أنتِ لا تعرفينني بعد أنا أعشق الألفاظ السوقية لا تنخدعي بالمظاهر عزيزتي.
ضحكا كلاهما؛ لتمتد يدها تمسك بكوب الشاي الأحمر المطعم بالقرنفل والمرمرية التي لا تشرب غيره طيلة الشتاء، وتشرب منه بتلذذ بينما تأكل شَطيرتها.كان يراقبها باستمتاع قبل أن ينظر لكوب القهوة بضجر ويهتف:
_ القهوة بردت أعطيني هذا الكوب يا ربى.
_ أي كوب؟
_ خاصتك.
_ لا..
_ بخيلة.
_ انت لا تحبه.
_ ممن علمتِ؟
_ من الخادمة ؟
_ تتعَسسين على أخباري؟
_ لا لكني سألتها بالمطبخ اتصنعين قهوة الآن، قالت دكتور بيجاد لا يحب الشاي.
كانت تقلدها باستنكار؛ ليضحك ويصمم على شرب كوبها.
_ حسنا خذهُ لم يعد به الكثير.
_ مفجوعه.
عند آذان الفجر رحل وتركها بعدما وعدته أنها ستعود لحياتها، ودراستها، وتهتم بحياتها. لا أحد يستحق. لم يسترسل كلاهما بحكايا الماضي، وهو أخبرها ما أراد لها أن تعلمة.
غفت واستيقظت بنشاط عجيب أذهل الجميع، وذهبت لجامعتها التي أهملتها وتغير مزاجها كليًا حتى أمر الحارسين، والخادمة لم يعد يزعجها، ولم تسلم من القيل والقال الخاص بهبة وأثير، ولا حتى أم رضوان التي أخبرتهم بتسلل بيجاد لها ليلًا.
ومرت الأيام، وبدأت تعتاد أمر إقامته ليلًا معها. إما يتسامروا بالأسفل مع الجميع أو معها بالأعلى.كان الجميع يرى ما تحويه الأعين من تغيير ومشاعر إلا هما.
بعد أيام.
وقفت تنتظره ليلًا قلقة عليه. هاتفه مغلق، ولم تستطع الوصول إليه . تغدو ذهابًا وإيابًا.
انتصف الليل، ولم يأتي حتى يأست وغفت.
تلك الليلة كان عدي مريضًا، ونسيَّ أمر هاتفة اطمأن على حرارته، وأودعه بعهدة شقيقته وخرج، ورغم أن الشك بدأ يتسلل لقلب شقيقته إلا أنها لم تواجهه. اكتفت بالصمت إذ تري أن أخيها به شيء مختلف وربما قد عشق.
دلف للشقة بعد دقائق قضاها مع رامي بالأسفل. التعب تملك منه طيلة الليل وقدمه لو شخصًا أمَامه لنهرته عما يفعل بها.
وجدها غافية فاقترب منها بهدوء. منع يديه التي تخونه دومًا لِتحاوطها كما يرغب .
منذ أصبحوا أصدقاء، وهي تضع حدود فاصلة للصداقة بينهما حتى حجابها كانت تضعه طيلة مكوثه معه.
ابتسم على حالهما معًا لا يعلم أي طريق سيقودهم معًا لكن ما بات متأكدًا منه أنه لن يستطيع تركها مهما حدث مجددًا.
ولما عليه أن يخسر صديقًا ثرثارًا مثلها، وابنا قد يكون عونًا لطفله مدي الحياة ومحبًا له.
الحياة خارج عائلة الزيني، وبعيدًا عن رائحة الأدوية مبهجة .
خصيصًا رائحتها هيّ، رائحة الفانيليا التي تملأ حياتها بأكملها.
مال برأسه على الفراش بعد أن ناداها ولم تجبه لتمر ثواني فقط، ويغفو بمكانة خالعًا نعل قدَمة ولأول مرة.
بعد ساعه تململت لِتجده بجوارها بهيئته هذه، ورغم الحزن الذي ملأ قلبها علية لكن قلبها انشرح أنه لم ينساها، همست :
_ بيجاد.
فتح عيناه هامسًا:
_ ربى.
_ متي جئت؟
اعتدل بتعب قبل أن يميل بحنو مقبلًا جبهتها عنوة كما يفعل كل مرة ضاربًا ببنود الصداقة التي بينهما عرض الحائط.
_ كم الساعه ؟
_ لا أعلم ؟
اعتدل يبحث عن هاتفه؛ ليتفاجأ بقدمة ليلعن داخلة ذلك الوجع الذي عصف به؛ ليدفعه لخلع نعلة أمامها كان يظن أنها ستظل غافية للصباح.
هتفت بهدوء، وهي تحاول رفع الحرج عنه:
_ هل تؤلمك؟
أغمض عينيه بتعب حقيقي قبل أن يردف :
_ قليلًا هل أجد عندك مثل ذاك المسكن مجددًا.
تذكرت أمر المسكن التي تشاجرت معه ما أن استيقظت بالسيارة وَوجدت حاجيتها مبعثرة، ولم تتذكر أمر أنها أخبرته بأن يتناول قرصًا من حقيبتها الا بعدما تشاجرت معه.
شعرت بالخجل واستقامت سريعًا لتَجلبه له. لم يجد مفر من تركها بالنهاية لن يجعلها تشفق علية أكثر.
اقتربت ووضعت القرص بفمه ثم تبعته بالمياة. ضحك مردفًا:
_ يا الهي هل وضعت بفمي قرص غلال لتتخلصي مني يا ربى!
اتسعت عيناها بصدمه قبل أن ينفجر هو بالضحك عليها وعلى هيئتها التي شحبت.
_ غليظ أقسم لك ثم لما عليّ قتلك الآن لقد صرنا صديقين، وبالنهاية انا مستفيدة من صداقتك.
أمسك بقلبه يمثل الصدمة:
_ يا الهي لم أكن أعلم انكِ تستغليني ظننت ما بيننا صداقة بريئة.
_ لا بريئة هذة تكون خالتك عليك أن تعي الآن حجم استغلالي لك.
_ يا الهي لقد خيبتي آمالي كلها عليّ أن اصرف نظر الآن عن هذه الصداقة برمتها.
_ لن تستطع.
_ ولما.
_ لن أسمح لك فأنا التصق بأصدقائي كالعلكة.
_ وهذا جيد أم سيء.
_ كلاهما معا.
ضحك بيجاد، وتناسي أمر تعبة إلى أن ذكرته هي:
_ هل ارتحت قليلًا؟!
_ نعم.
صمتت، والحيرة تملؤها تريد أن تسألة لكنها مترددة، هتف هو بهدوء:
_ ماذا تريدين أن تقولي ؟
_ دائما تفهم حاجتي الثرثرة.
_ وهذا جيد أم لا.
_ جيد جدًا.
_ إذن ثرثري يا ربى كلي آذان صاغية.
عضت شفتيها قبل أن تهتف بخجل:
_ أريد أن أسألك عن هذه؟
أشارت على قدمهِ، وهي تشعر بالخجل، ليجِيبها باختصار:
_ كانت حادثًا.
_ منذ متي؟
_ من عمر عدي ماتت والدته، وهي حامل به وولد هو من رحم ميته، وفقدت قدمي كما ترين.
_ يا إلهي أنا آسفة.
_ لا تتأسفي لقد مر وانتهى.
_ كم عمر عدي؟
_ خمس سنوات.
_ لكنك لا تهتم براحتك الحياة ليست عمل فقط.
يدها امتدت لمقدمة الجهاز تريد نزعه عنه لكنه أبعدها بلطف لكنها عاودت الأمر غير مكترثة به.
_ ربى رجاءًا.
_ اصمت بيجاد، وارحم نفسك من ذلك الجدال .
_ ربى.
كان يتوسلها بعينيه ألا تفعل هو نفسه يكره رؤية قدمه بلا جهاز ، وهذا سبب تعبه على الدوام.
وكأنها قرأت دواخله هتفت بمغزي بعدما استطاعت نزعه أخيرًا ليَّتأوة هو براحة ممزوجة بالتعب:
_ هكذا حب نفسك هكذا بلا جهاز لعين.
_ يا الهي .
ألقى بجسدة على الفراش بتعب قبل أن يدفع يدها مرددًا:
_ ايقظيني بعد ساعة يا ربى.
هتفت باستنكار:
_ هل سَتنم حقًا؟
_ نعم متعب يا ربى.
_ وماذا عن الثرثرة؟
_ فيما بعد أعدك.
_ يا الهي دعني أري قدمك أولًا.
_ اتركيني يا ربى واخرجي.
خرجت تتمتم بِغيظ لتبتسم براحة وتقترب من هاتفَها الذي يرن بإلحاح لتصدم بكم الإتصالات من ذات الرقم ولا تعرف رقم من هو ؟
*******
الفصل السابع عشر:
كيف تغيرت كل تلك الأشياء والثوابت والمعتقدات التي كنا موقنين بدوامه، وَبإيماننا الكامل بوجودها، كيف مر العمر هكذا هباءًا، ونحن مازلنا ننتظر تلك الراحة التي دومًا ما كنا نحلم بها؟!
كيف لم تأتي للآن، وكيف صبر القلب، وكيف كنا ومازلنا نختلق لهؤلاء الذين دمرونا ببرود كل العذر؟!
كيف لم نعترض، ولم نصرخ، كيف مازلنا واقفون ثابتون ويك أننا مقيدون، معقُودون بعقود لا حَل لها؟
كيف، متي، ولما صارت كل شواغفنا لكل ما يشكلنا، ويشكل هويتنا، فارغًا، وكأننا ما عانينا وما اجتهدنا من أجل تشكيل هويتنا، وتثبيت أقدامنا؟
كيف، ومتى، وجهان لعملةٍ نادرة، عمله لا يملكها إلا أولئك المحاربون أمثالنا.
فيا يا وطني، ومَوطني، وكل خطوةٍ في طريقي مشيتها رفقًا بي، وبعَذاباتي، وبمُعاناتي التي لا يشعر بها إلا من خلقنا.
الهي انت اعلم بأحوالنا أكثر مننا فلا تخيب رجائي، ولا تشمت أعدائنا بدَائنا.
أنهت صلاة الفجر وشرعت بدعائها الصامت الذي لا يتردد دائمًا على لسانها ولم تنتبة لذلك الذي اعتدل قبل قليل ينظر لها. لم يبقي يومًا لذلك الوقت، ولم يرها تصلي أبدًا.
ترك لنفسة حرية تأملها بلا شعور بالذنب لأول مرة . كانت جميلة للحد الذي لا يجعلة يمل من تأملها أبدًا، بشرتها بيضاء ليس ذلك البياض الساطع لكنه يليق بها، وذو وجه مستدير، وفم صغير شفتيها منتفختين كنقش تفاحة، عيناها حكايةً أخرى تحكي أسطورة عن الحنان العظيم. مهما افتعلت من خلافات معه لا تقسو أبدًا، شعرها التي صارت تخفية عنه كان يصل لمنتصف ظهرها أشبه بشعر الغجر بتمويجاته التي تصنعها بنفسها هو متأكد من ذلك ليس تموجًا طبيعيًا، لونه كلون عيناها لون العسل الصافي ما أن يتعامد النور علية أو بالشمس تلمع كالذهب. جسدها كان حكايةً أخرى من صنع الخالق جسد مثالي ذو انحناءات خطرة كانت مذهلة..مذهلة حقًا.
أنهت صلاتها ليعود هو ليغفو سريعًا فلم تلتقطه عيناها، اقتربت منه لقد مرت أكثر من ساعة لا تعلم هل توقظة أم تتركه للصباح؟!
فكرت أنها لو لم تفعل الآن، وتوقظه لن تسلم من تهكمات هبة وأثير، ولا أم رضوان التي لا تصمت أبدًا.
لكنها ما أن نظرت لقدمة عز عليها أن توقظه. اقتربت منه وشردت بتأملة تذكرت وصف أم رضوان لَه صدقًا كانت على حق، وكأنة خرج من مسلسل تركي. كان وسيمًا لدرجة مهلكة لقلب أي أنثى، ببشرة حنطية وحاجبان ممتلئان، متوسط الطول وبوجه يبعث الراحة للنفس مهما غضب لا تخشي منه. شعرة أسود غزير ناعم كالحرير لا عيب به حقًا حتى لو يرى هو أن قدمة عيب. فهي تراة مكتملًا بها أو بدونها.
خانتها يدها لتمسح على شعرة، وتهمس بالقرب من أذنه:
_ بيجاد هيا لقد مرت الساعه.
كانت قريبة منه حد الخطر، دق قلبه بعنف. أصابعها التي تغلغلت شعرة سربت الراحة له، همسها كان كسيمفونية عذبه ود لو يستيقظ وينام عليها.
_ بيجاد.
فتح عينيه بهدوء، عيناه تعامدت على خاصتَيها جعلتها ترتجف، وتبعد يدها عنه ليعود هو ويمسك بها مردفًا بصوتٍ أجش:
_ لا تتوقفي.
استلقى على ظهره، ووضع رأسه على فخذها مردفًا بهمس:
_ أين توقفنا قبل نومي؟
ابتسمت، وأصابعها تتغلغل شعرة تُمسد فروة رأسة بحنو أذابهُ:
_ أمم لا أتذكر، لكن أخبرني لما تأخرت الليلة؟
_ عدي مريض لم أستطع تركة قبل الاطمئنان علية.
_ ما به؟
_ حرارته مرتفعه تركته بعهدة شقيقتي.
_ متى تعرفني عليه عز طيلة الوقت يتحدث عنه ؟
ابتسم وفتح عينيه:
_ حتي عدي يفعل المثل لم أعد أعلم كيف اختلق كذبات من أجل أن أخبر فيروز بها. طيلة الوقت عدي يتمتم بإسم عز.
_ يتمتم!
تجاهل استنكارها، قبل يدها بحنو أذابها وهمس:
_ شكرًا على الليلة الرائعة كليالينا معًا لكن الليلة كانت الأروع .
أن كان هناك داعي الشكر فدعني أشكرك لأنك بجواري دائمًا حتي، وأنا غاضبة عليك.
استقام ليرتدي جهاز قدمه؛ لتقترب وتساعده؛ ليهتف متعجبًا:
_ على حد ما أرى أنكِ تعلمين كيف تستخدمينه؟
ابتسمت، وقد انتهت من الباسة له، وهتفت وهي تنظر له:
_ لقد كان والد طليقي يرتدي مثلة، وكنت أعتني به أعلم كل شيء عنه حتى ذلك المسكن كان الطبيب هو من وصفه له عندما تشتد علية الآلام، وانا كنت أستعيرة منه حينما يشتد عليّ وجع ظهري.
_ وهل يؤلمك ظهرك دائمًا وتسكتين عنه بلا علاج ؟
هتف باستنكار وغضب غير مبرر لها.
_ غدًا سأصطحبك للطبيب.
_ يا الهي لا أنا بخير ظهري يؤلمني لأني ولدت قيصرية وازداد وزني كثيرًا بعدها لكن ما أن نزل وزني لم أعد أشعر به إلا نُدر لا تهتم.
هتف مغيظًا لها:
_ هل كنتِ سمينه لهذا الحد؟
_ لا تتغالظ معي أنا أتحسس من هذا الأمر .
عبثت بوجهها، فكاد ينفجر بالضحك عليها لولا يدها التي دفعته بخفة.
_ غليظ.
كان يود لو يخبرها أنه يراها جميلة بكل الحالات لكنه آثر الصمت ليستقيم ناويًا الرحيل
رأته يتجهز للرحيل. كانت تود لو يبقى معها لكنها لن تكون أنانية لتلك الدرجة. استقامت، وهي تعدل من وضع حجابها، وسارت خلفة كي تودعه اقتربت منه فمال مقبلًا جبهتها بحنو.
_ لا تفعل.
هتفت بحنق لكنه لم يكترث إذ امتدت يده تنزع حجابها بسرعة، وتلقيه أرضًا.
_ نحن ظاهريًا أصدقاء لكن بالأصل أنتِ زوجتي لا تنسي ذلك أبدًا.
أنهى حديثه محاوطًا خصرها فشهقت بخجلٍ متمتمة بإسمة:
_ بيجاد.
رَنا إليها طويلًا شاردًا بها. أراد أن يتلاقيا بالنظر. الكلمات دومًا لا تسعفه ربما تصل النظرات ما قد قُطع. وجدتْ في نظراته الصامتة خير معبر عَمّا يعتلج في صدريهما معًا. عيناه التي تعامدت على عَسليتيها جعلتها ترتجف؛ لينتهي بهما الأمر هاربون من بعضهما هي تقاوم السقوط بطريقٍ قد لا تعود منه أبدًا الا بقلبٍ منكسر، وهو يذكر نفسه بالوعد الذي صكه بحماقةٍ لها ليكونا صديقين للأبد ولا شيء آخر بينهما، ولتبقى أَماني قلوبهم كَأمنياتٍ كُثر أضاعها الهوى.
******
انتهى من أمر إقامته هنا بالقاهرة. وضع مبلغ كبير جدًا مما ادخرة لأعوام بتلك الشقة الفاخرة القريبة من بنايتها. كان يود شراء شقة بالمبني التي تسكن به لكنه لم يجد شقة فارغة .
للآن لم يراها بعينية لكنه علم كل شيء عنها تقريبًا من حارس العقار الذي يسكن به حينما سأله عنها واقر أنه يعرفها بل الجميع هنا يعرفون ربى راشد مذيعة الراديو الأشهر على الإطلاق. وللصدفة فإن حارس العقار الذي يسكن به هو أيضًا صديق مقرب لصاحب العقار التي تسكن به ربى. بالنهاية بعد أخذه مبلغًا من المال لا بأس به أخبره بما يريد معرفته.
هناك تساؤلات كثر بداخلة إجابتها جميعها عندها هي لذلك هو يتهيأ الفرصة المناسبة فقط. فتح هاتفه مجددًا ليستمع لإحدى المقاطع المسجلة على حسابها بصوتها . حسابها الذي وصل إليه ببساطة بعدما أخبره حارس العقار به. كان مقطعًا مؤثًرا لا ينفك يستمع إليه بصوتها الذي يأسر النفس وبكل مرة يستمع لصوتها الذي يتغلغل بداخله يشعر بالحنين إليها يأسرة:
“بعض الخيبات تأتي لتخبرك كم كنت ساذجًا، وأنت تعطى لهم الحرية الكاملة لهم؛ ليشَكلوك كيفما شاءوا، يصنعوا منك مسخًا يشبه هواهم. بعض المصائب كنز، وبعض الصعاب جواهر ؛ فتعلم أن تصنع من مواجعك عقد وجواهر تكن ذخيرتك في وقت الشدائد؛ لتذكرك بما مضى، وكيف كنت تظن أنك على مواجهتها لست بقادر. تعلم أن تبتسم، تضحك بصخب، توقن بأمر الله، ومعجزاته؛ فَيقينك به يهزم الشدائد”
ربى راشد.
آه متعبة زفرها بوجع من الفراق ومن اشتياقه لها ومن غبائه الذي أوصلهم لهنا . لم يعد بقادر على الصبر أكثر. صباحًا سيذهب لها ويواجهها بعلمه كل شيء حتى أن وصل للغصب سَيغصبها عليه.
******
_ انت متأكد مما تقول؟
_ بالطبع يا فريد بية لقد توصلت له أخيرًا، وانتظر أوامرك.
تمدد فريد الزيني علي الشاطيء بسعادة بعدما توصل لِمرادة أخيرًا بعد أشهر من البحث عنه.
الجميع يظنه خارج البلاد، وبعيدًا عنهم لكنه قريب، قريب جدًا، ويخطط لانتقام لا مثيل له من كل من تسبب بخسارة فريسته، وأوله ابنه المبجل، وقد بدأ بالفعل.
غبي هو ابنه ! دائمًا ما يسير خلف العاطفة الهوجاء يعامل الناس بمثالية سَتودي به ذات يوم!
دائمًا ما كان درع حامي لمن يخصة، ومن لا يخصة يظن أن بفعلته وزواجه منها قد كسرة، ولن يقترب منها أبدًا.
غبي بالنهاية لم يكن ليتزوجها كان سيقضي ليلة معها، ومن ثم ترحل حيث قُدر لها، وأراد هو أن تكون علية. هي ليست أكثر من عاهرة كما كل النساء بالنسبة إلية، خاضعة لعينة، وهو سيدها، ولن يرتاح إلا وهي أسفلة. ما يزعجه حقًا هو أنه للآن لم يستطع أن يعلم يقينًا من خانة؟ وكيف توصل لكل ما خطط له؟ هل كان يراقبه أم الحقيرة الصغيرة نيرة من خانتة؟
مؤكد هي نيرة الغبية الغارقة بعشقة؛ لينتهي فقط مما هو مقدم عليه، ويلتفت لها.
التفت لذلك الذي يقف ينتظر أوامره مردفًا:
_ أريد هذا المدعو ظافر أمامي بأسرع وقت. تكفل بأمر عودته للبلاد يا ماجد حتى لو ستأتي به مجبرًا لهنا لا يهم.
_ اوامرك سيدي.
_ سأجعل فضيحتك مدوية ياربى ببلدتك، وبالبلد بأكملها .
أما عن بيجاد فيكفية ما سيحل بك وبه من فضيحة، وما سيفعله الجد به ما أن يعلم كيف حل حفيدة الأمر؟
هدر بجنون غير مكترثًا لشيء، وهو يتخيل ربى أمامه تهتف سيدي.
ليميل لتلك التي ما زالت تلتصق به كالعلكة، ولم تكن غير منى ويصفعها بقوة على وجهها صارخًا:
_ اخفضي عينيك.
_ أمرك سيدي.
_ فتاة مطيعة.
*******
تسللت نيرة من الباب الخلفي مرتدية ثياب الخادمة استعارته من إحداهن. تشعر بالتعب يتملك منها. لقد نفذ مزاجها ونفذت كل التذكار التي كانت معها.
جسدها يأن طالبًا جرعته المعتادة لكن مع تضييق الخناق عليها لم تعد تخرج. الآن بعدما نفذ كل شيء معها كان عليها أن تخاطر من أجلها.
بعد ساعة كانت وصلت لوجهتها لاهثة بأعين غائرة ووجه شاحب ليهتف الأخير شامتًا بها.
_ ألم أقل لكِ انكِ ستأتين؟!
ألقت الأموال بوجهه وهي تمد يدها لتلتقط حاجيتها وترحل حيث أتت لكنه فاجئها بسحبها للداخل
_ ماذا تفعل يا ماجد اتركني؟
_ ماذا أفعل ؟ ألم تشتاقي لي يا حلوه؟
_ قلت ابتعد عني ليس لدي وقت كافي. أن علم الجد بخروجي سيقتلني.
_ ولكنك تثيرني بهذا اللبس.
نظرت لثيابها بسخط :
_ لم أكن اعلم أن مستواك انحدر لذلك الحد.
_ ها قد علمتِ.
عاود التحرش بها لكنها لم تكن معه صرخت، ودفعته :
_ أريد جرعتي واللعنة.
نظر لها بسخط من ثم ألقي لها جرعتها التي هرولت لِتشتمها. ما أن سارت الجرعة بدمائها انتشَت بطريقة غريبة، ولم تكن تعي لشيء ليهتف ماجد:
_ هل اعجبتكِ؟
_ يا الهي لا اشعر بنفسي.
كان ماجد ينظر لها، ولما أصبحت عليه بنصر. لا يكره انسان بحياته قدر كُرهه لها. لا أحد يعلم حجم القذارة التي وصلت إليها إلا هو. كان عاشقًا لشقيقتها الهادئة على الدوام. كانت نوار عكسها بكل شيء، وهو كان شابا وقورا ليس بأقل مكانةً منهما لكنه صادق الأشخاص الخطأ. مات ابويه غاضبون عنه ما أن علموا بأمر تعاطيه، ويئسوا من علاجه. حينها كان غارقًا بعشق نوار الذي طلبها من أبيها مرارًا ورفضه ليعلم أنها فضلت بيجاد الزيني عليه. توسل لها كي تتزوجه لكنها رفضت، ونهرته؛ ليأتي دور شقيقتها التي كانت تحوي بقلبها حقد العالم أجمع ، ومازالت لتتفق معه عليها. ليقرر عقابها بسخط على كل شيء.
لم تكن نيرة متعاطيه ولا نوار لكن خطتها هو انهيار نوار لتلجأ إليه، وبالفعل تم الأمر. استغلت نيرة جرح قلب نوار، وبدأت بتعريفها علي أول طريق للهلاك؛ لتنغرس نوار به وتفر نيره ونتركها كما لم تكن هي السبب. بمنتصف الطريق أصبحوا أصدقاء هو ونوار، وانتابه ندم العمر لأنه آذاها بينما هي مغصوبه على بيجاد. حاول معها ويشهد الله لكنها لم تهتم له. لم يستطع لمسها بالحرام كان هناك دوما شيئا يقيدة عنها حتى
تفاجيء بموتها المأساوي، وهنا استفاق وقرر البعد.
ماذا تساوي الحياة بدون من نحب؟ لا شيء.
سلم نفسه للِمصحة، وبدأ بالعلاج لكنه كان عاكفًا على الانتقام، وها هي من تسببت بكل آلامه ملقية كالكلبة أسفل قدمية.
اليوم بدل لها الجرعه بأخري تشبة جرعة نوار التي لم تتحملها كثيرًا لتنتهي حياتها بمأساة .
غابت بعالم من اللاوعي؛ ليستقيم ويبصق عليها قبل أن يفتح باب الشقة، ويدخل أحد غيرة؛ ليتمتع بها ويمتعها كما يجب. فعل كما كل مرة بها ، وهناك أمامها بالظبط كانت الكاميرا تصورها ليخرج المشهد أفضل مئة مرة من أفلام البورنو، وهي تصيح كالعاهرات.
_ ما رأيك يا باشا؟
_ تعجبني دماغك يا ماجد. تعجبني جدًا
_ تلميذك يا فريد بك.
وضع ماجد الكاميرا أمام فريد الزيني، وخرج يشعر بالتقزز من كل شيء، ومن ذلك الرجل المريض الذي يقبل علي أهله هكذا شيء.
راقبه من بعيد ليجده قد فتح الفيديو يشاهد ابنة شقيقة بهكذا وضع برغبةٍ مقززة قبل أن يقضي شهوته وهو يتمتم بإسم ربى.